زهراء العبكري- على مدار السنوات الأخيرة، بذلت المملكة العربية السعودية جهوداً واضحة للعيان في الاهتمام بموروثها التراثي والثقافي والشعبي، وقد تجلى ذلك في المبادرات التي هدفت إلى حفظ التراث وصونه وتنميته. وفي الشمال الغربي من أرضها، رأت المملكة استثماراً مثمراً يلوح في الأفق؛ فضمن مساحة تبلغ حوالي 29 ألف كيلو متر مربع، وتشكل ما يناهز خُمس مساحة منطقة المدينة المنورة، تقع محافظة العلا والتي شَكَّلَت على مدى قرون خَلَت، صرحاً تاريخياً متميزاً يحكي حُقَباً زمنية مختلفة لكل منها سِمات خاصة. يعود تاريخ المنطقة إلى مئات آلاف السنين حيث كانت محط رحال تجار البخور، والحجاج القادمين من طريق دمشق إلى مكة، كما حطَّ بها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) رحاله في طريقه إلى غزوة تبوك. في بلدة العلا القديمة، تقبع الكثير من الحكايات خلف الصخور الصمّاء والبيوت المصنوعة من الطين والأزقة الضيقة؛ فهي تبرهن على مستوى البيئة العمرانية لقاطني المنطقة في الزمن القديم، كما أنها شاهدة على تطور التراث الإنساني على مدى العصور. ومن أجل حماية ما احتوته هذه المدينة من آثار قيمة، ومعالم نفيسة، فقد ارتأى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تحويلها إلى وجهة سياحية عالمية للتراث، ومن هذا المنطلق أُبرِمَت اتفاقية بين المملكة وفرنسا حول مشروع تطوير محافظة العلا، وقد جمعت البلدين رؤيةٌ مشتركة هي المحافظة على التراث الثقافي والطبيعي، ويعكف على تطبيقها على أرض الواقع مجموعة من الخبراء المحليين والعالميين. ولا غرو أن نجد بعض مخرجات هذا المشروع قد أصبحت ملموسة اليوم، فالمملكة برؤيتها الطموحة وشعبها المناضل من جهة، وفرنسا بخبراتها العريقة ومهاراتها المتقدمة في قطاع السياحة من جهة أخرى، شكلتا ثنائياً رائعاً أثبت نجاحه وتميزه خلال مدة قصيرة. أردفت المملكة جهودها المكرسة لتنمية العلا بدعم برامج التدريب والتطوير التي تتولى زمامها الهيئة الملكية لمحافظة العلا. ترعى الهيئة برامج عدة بحس مسؤول وإحساس مرهف بما احتضنته المدينة من معالم وطبيعة وتراث تستحق أن تنكشف للعالم، ومن هذا المنطلق أرست الهيئة أسس خلق تجربة فريدة للزوار في خمس مراكز ثقافية هامة هي واحة البلدة القديمة، وواحة دادان، وواحة جبل عكمة، والواحة النبطية، ومدينة الحجر الأثرية، إضافة إلى عدد من المتاحف والمعارض والمسارح. العلا اسم تسامى في علاه، وإرثٌ نابضٌ بالحياة، فقد كان لموقعها الجغرافي وبيئتها الخصبة ووفرة مياهها الجوفية دورٌ في التشجيع على زراعة النخيل والفواكه في الزمن الماضي، وامتد هذا الدور حتى الزمن الحاضر فأصبحت العلا وجهة سياحية تنبض بالحياة ولا تنضب عن الجمال؛ فهي الآن تضم برامج وفعاليات متنوعة طيلة العام بما يتناسب مع أجوائها على مدار فصول السنة، ولا تزال المملكة تعمل على قدم وساق من أجل تنمية العلا يحدوها اليقين بأن هذه المدينة هي أكبر متحف مفتوح في العالم.